الاثنين، 28 فبراير 2011

كتاب قرأته : إيران فوق بركان

   
في مرحلة الشباب الباكر كان الأستاذ محمد حسنين هيكل يشغل وظيفة المراسل المتجول في الشرق الأوسط لجريدة أخبار اليوم، وكان بين المهام التي قام بها تغطية أزمة البترول الإيرانية عام 1950 - 1951
هو أول كتاب منشور للأستاذ هيكل. وقد صدر بالعربية عام 1951، وهو الكتاب الوحيد للأستاذ هيكل في عهد الملك فاروق.
وهو يحوي ثمانية فصول ضمتهم 185 صفحة من القطع الصغير، ويضم بين دفتيه صورة للأستاذ هيكل مع آية الله أبو القاسم كاشاني.
والكتاب حصيلة شهر عاشه الأستاذ هيكل في إيران، على أثر مقتل رئيس وزرائها الجنرال علي رزم آراه يوم الأربعاء 7 مارس 1951. ولقد سافر إلى كل أنحائها من الشمال إلى الجنوب، من جولفا على الحدود الروسية إلى عبدان على الخليج الفارسي، وقضى أياما طويلة في ظلمات طهران وسراديبها الغامضة، وقابل كل قيادات العهد القديم من السياسيين أمثال السيد ضياء الدين طباطبائي، وقوام السلطنة، والدكتور محمد مصدق بطبيعة الحال، وأهم رجل من رجال الدين الشيعة في ذلك الوقت ومؤيد مصدق المتحمس آية الله كاشاني. وفي ذلك الوقت أيضا دارت أول أحاديثه مع الشاه محمد رضا بهلوي، كما تعرف على شقيقته التوأم الأميرة أشرف، التي كان زوجها الأسبق أحمد شفيق - وهو مصري - صديقا له. وكان كتابا حسن الحظ مع قرائه. وكان من اكثر الكتب رواجا في تلك الأيام. و نحن نحتفل هذه السنة (2011) على مرور ستون عاما على صدور الكتاب، والمفارقة الجميلة أن مؤلف الكتاب ما زال بيننا - متعه الله بالصحة والعافية.


و لكن الأهم، هو السؤال الذي ما زال معلقا حتى الآن: هل إيران ما زالت فوق بركان؟

إيران عبر التاريخ : جزيرة منفردة ، بمعنى إنها حضارة محاصرة وبلد محاصر وقومية محاصرة . فمن ناحية هناك شبه القارة الهندية - شرقا (حضارة هندية) - ومن جانب آخر هناك شبه الجزيرة العربية - غربا (حضارة عربية) - وفوق ذلك مذهب محاصر - عندما اختارت إيران مذهب الشيعة الإثنا عشرية - مذهبا رسميا للدولة - وهو مذهب أقلية في العالم الإسلامي , وهو مذهب المراجعة والتمرد والثورة والارتباط العضوي بالتقاليد الثورية الإسلامية أي بعنصر العدالة الاجتماعية (يسار الإسلام إذا جاز لنا استخدام هذا التعبير) وقد أثر في الإسلام وأضاف إلى تراثه - من موقع المعارضة السرية للخلافة السنية (السلطة السياسية) المتعاقبة على العالم الإسلامي . هكذا تداخل بلد وقومية محاصرة على الأرض وثقافة ولغة وعقيدة دينية محاصرة في الضمائر ، وامتزجوا مع بعضهم ليشكلوا مادة قابلة للالتهاب بسرعة ومعرضة للاشتعال في طرفة عين - بالإضافة إلى أجواء مذبحة كربلاء - المخزية - وما تضيفه للشخصية الإيرانية من تمجيد لفكرة الاستشهاد ! وزاد عليها مشروع نووي طموح أستطاع أن يجمع - ويشحن - الإيرانيين بكل أطيافهم السياسية . وهكذا اختلطت العقائد المشبوبة بالإيمان مع اليورانيوم المخصب ، مما يجعل إيران كتلة عالية الخطورة !

إيران تقع جنوب روسيا ، وتطل على المحيط الهندي والخليج الفارسي - المياه الدافئة (الجسر البري الرابط ما بين روسيا والمياه الدافئة) - حلم حكام روسيا من بطرس الأكبر إلى بوتين  

(ربما) . وعليه فإن الولايات المتحدة الأميركية تعتبر إيران موقعا لا يمكن التفريط به ، هذا بالإضافة إلى وزنها السكاني (77 مليون من البشر) ودور حضاري راسخ وموقع على الأرض في وسط الجسر من قلب أوروبا وشرقها مباشرة إلى المحيط الهندي ، ثم أضيف إلى أسباب الأهمية فيما بعد سبب لم يلبث أن تقدمها جميعا بسرعة فائقة ، وهو :  البترول في عالم يعيش - سلاما وحربا - على المحركات ، فإن موارد الطاقة أصبحت أهم جوائز الصراع الدولي . 

علينا أن نتذكر بأن إيران ليست نسيج عرقي واحد : الفرس - كما هو سائد لدى البعض - بل يوجد بها أقليات كثيرة مثل : الأكراد والعرب والبلوش وآخرون (لا يشكلوا أكثر من 35% من السكان) ، كما إنها ليست نسيج مذهبي واحد : الشيعة ، فهناك : أهل السنة والأرثوذكس الأرمن واليهود وآخرون (لا يشكلوا أكثر من 14% من السكان) .

والشرق الأوسط - لأسباب كثيرة لا داعي لسردها الآن - يشهد صراعا بين قوتين ونصف (القوتين : إسرائيل وتركيا - والنصف : إيران) . وإيران تملك أنصاف كروت - ربما يؤهلها هذا للعب دور في الصراع على الشرق الأوسط ومقاديره : نصف كرت في العراق ولبنان وفلسطين والخليج - وربما كرت كامل في سوريا ! - لكن يحسب لنظام الثورة الاسلامية في إيران أنه ما يزال حتى هذه اللحظة مرابط عند أسوار القدس . ( وهو ما يجب تشجيعه واستثماره ، لا محاربته ، وإلا كنا كمن يتخلى عن أحد أوراقه الرابحة !) 

طالما أن آية الله علي الخامنئي على قيد الحياة ، فليس من المتوقع أن تتغير الأوضاع في إيران بطريقة دراماتيكية ! ولكن ماذا سيحدث بعد وفاته ؟

قد يحدث صراعا على السلطة بين ملالي طهران (هاشمي رفسنجاني - محمد خاتمي - أحمد جنتي - عباس طبسي - محمد يزدي - محمود شاهرودي) - وصراعا بين السياسيين (محمود نجاد - علي لاريجاني - محمد قاليباف - جواد الشهرستاني - سعيد مرتضوي - مير موسوي - محسن رضائي) . 

كما سيحدث صراعا بين الملالي ضد رجال السياسة (يمكن لرجال الدين أن يكونوا جبهة متحدة ، بعكس رجال الساسة المنقسمون) . 

مثقفي اليسار - مشلولي الحركة - فالإيرانيين الشيعة متدينون حتى النخاع !  

وقد تسارع أجهزة المخابرات الأمريكية على تشجيع الأقليات على التمرد لخلخلة نظام الملالي وربما إزاحته ، وإحلال نظام فارسي مغلق يمكن لإسرائيل أن تصادقه ، كما حدث ذات يوم بالأمس القريب - زمن الشاه ! (من الاستحالة أن تتحول بعض الأقليات إلى مراكز قوى ، بالإضافة إلى عدم تجانسهم وتنافرهم !) .

أما الساسة والجنرالات المنفين في الخارج - لا رجاء لهم .  

أما أن يعود أحد أفراد أسرة بهلوي للحكم - فلا أمل لهم بالعودة إلى عرش الطاووس !

إذن فإيران مقبلة على فترة صراع والأرجح أن الجيش الإيراني - هو من سيتولى حسم هذا الصراع ، فهو القوة الموحدة في البلاد . 

وربما يكون هناك الآن في صفوف الجيش الإيراني - رضا بهلوي آخر يتحين فرصته ليثب على الحكم ! 
-------
فقرات توقفت أمامها بكثير من التأمل!

صفحة: 77 - 78
يشتهر آية الله بعدائه الشديد للإنجليز. فلما قامت ثورة رشيد عالي الكيلاني في العراق ضد الإنجليز سنة 1941 كان آية الله كاشاني هو دعامة الثورة الروحية، وكان الثالوث الضخم الذي يحكم بغداد في تلك الأيام، يضم رشيد عالي الكيلاني قائد الثورة، والحاج أمين الحسيني مفتي القدس الأكبر، وآية الله كاشاني زعيم الشيعة القوي.
وفشلت ثورة الكيلاني، فإذا آية الله كاشاني يصحب معه زميليه - الكيلاني والحسيني - ويخترق بهما حدود العراق إلى إيران ... أو إلى السلامة والأمان!

-------

صفحة: 90
استمر الحديث بين (أبو القاسم كاشاني وهيكل) برهة عن إيران، ثم انتقل آية الله إلى أحوال الدول العربية يتحدث عنها وفجأة قال:               
- كيف حال مفتينا الكبير؟ 
وومضت عيناه حنانا وهمس:  
- كم أتمنى لو جاء الحاج أمين الحسيني إلى إيران.

-------

صفحة: 122 - 124
للسيد ضياء الدين الطباطبائي، قصة فريدة في ساسة الشرق .. فقد سبق أن تولى الوزارة حين كان عمره 27 سنة!!
ولقد بدأ السيد ضياء الدين حياته صحفيا وعمره 17 سنة، فأنشأ جريدة أسماها "رعد" وبدأ يدعو إلى الجمهورية في إيران، ويهاجم أسرة كاجار المالكة.
وقوى نفوذ السيد ضياء الدين وواتته الفرص فأصبح وزيرا في سن السادسة والعشرين ثم رئيسا للوزارة في سن السابعة والعشرين، ثم قرر أن يقوم بانقلاب لخلع الأسرة المالكة - أسرة كاجار وقتها - وكان لابد له أن يستعين في اتمام الانقلاب بالجنرال رضا بهلوي رئيس هيئة أركان حرب الجيش وقتها.
وكان للجنرال رضا بهلوي خطة أخرى يسرها في نفسه، ومهما يكن فقد اتفقت أهدافه في تلك الفترة مع أهداف السيد ضياء الدين فتركه يتخذ كل الاجراءات لخلع أسرة كاجار، وأتم ضياء الدين مهمته، فإذا بالجنرال رضا بهلوي يتحرك للعمل ويحرم رئيس الوزراء الشاب من ثمن النصر فيقبض عليه وينفيه إلى خارج إيران وينصب نفسه ملكا لإيران ويعلن قيام أسرة بهلوي!
وعاش السيد ضياء الدين في المنفى يجتر الحسرة والندم، واستقر في فلسطين حيث أنشأ مزرعة نموذجية ظل يتعهدها ويعمل فيها حتى نزل الشاه رضا بهلوي عن العرش فعاد إلى وطنه يحاول أن يلعب دورا سياسيا جديدا على رأس حزب جديد ألفه وأطلق عليه أسم "حزب اراد ملي" أي حزب "إرادة الأمة"!
ثم لم يطق السيد ضياء الدين مرارة الكفاح فاعتزل واعتكف في قرية "سعادت آباد" على بعد ثمانية كيلومترات من طهران حيث أنشأ مستعمرة نموذجية.
وأبرز ميزات السيد ضياء الدين، أن آية الله كاشاني كان يؤيده مرشحا لتأليف الوزارة، ولكن الشاه - كان يخشاه ويهابه - كقوام السلطنة - ويعتقد أن آراءه الجمهورية تسري في دمه، وأن تحويل إيران إلى جمهورية مازال يراود أحلامه.

                                                                                                                               خالد عبد الهادي