السبت، 26 أبريل 2014

سورة البقرة وإمامة عليّ بن أبي طالب ..

وَإِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ ۖ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ۖ قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي ۖ قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ
( سورة البقرة : 124 )  

سؤال : هذه الإمامة بمن مرتبطة ؟ .. هل هي مرتبطة بالإمام عليّ وأهل بيته ؟
جواب : كلا .. بشكل واضح وصريح !

سؤال : هناك من يستدل بهذه الآية المباركة لإثبات إمامة عليّ بن أبي طالب بشكل مباشر ؟  
جواب : هو لم يعرف مقاصد الآية المباركة .

سؤال : هناك من يقول إن هذه الآية مرتبطة بالنبي إبراهيم فما علاقتها بالإمام عليّ وأهل بيته ؟  
جواب :  نعم ، بحسب الوهلة الأولى لهذه الآية ، وبحسب النظرة الأولية ، هذه الآية متعلقة بالنبي إبراهيم الخليل .   

سؤال : ما هي الأمور المستفادة من الآية ؟
جواب : أن الإمامة من الأمور التي لابد أن تُجعل من قبل الله سبحانه وتعالى ، لأن الآية قالتإِنِّي " .
الله سبحانه وتعالى يقول " إِنِّي " ، كما قال تعالى "  إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً " ( سورة البقرة : 30 ) . 
وقد اتفقت كلمة علماء المسلمين ( بمذاهبهم الثمانية ) ، بل كلمة جميع الأديان السماوية ( الثلاثة ) ، أن النبوة أمرها منصوص ومجعول من قبل الله .
فهي لا يمكن أن تُنال بالانتخاب ، ولا بالشورى ، ولا بيد أهل الحل والعقد ، ولا مُد يدك أبايعك .. حتى أبايعك !

سؤال : لماذا ؟
جواب : لأن النبوة أمر إلهي ، لأن النبوة عهد إلهي .
وهكذا نجد أن القرآن الكريم استعمل نفس هذا الاصطلاح بالنسبة إلى الإمامة الإبراهيمية .
أن الآية قالت " إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا " ، والله هنا يخاطب النبي إبراهيم .

سؤال : هل كان إبراهيم حينها نبيا ؟
جواب : حتما كان نبيا ، بدليل مخاطبة الله له .
ويُستدل من الآية أن المخاطبة حدثت في أواخر حياته ، بدليل طلب النبي إبراهيم الإمامة لذريته ، ونحن نعلم عبر مصادر التاريخ على اختلاف رواته أن النبي إبراهيم رزق الذرية على كبر سنه .

سؤال : هل الإمامة هنا تعني القدوة والإسوة ؟
جواب : إبراهيم : نبي الله وخليله ، ومن أُولى العزم من الرُسل ، أبو الأنبياء ، ومن أكثر الأنبياء والرُسل ابتلاء !
هل يُعقل أنه ليس قدوة للناس ؟
العالم ، وهو أقل مرتبة ودرجة من الأنبياء والرُسل يكون لدى البعض قدوة .
فالإمامة هنا لا تعني لا النبوة ولا القدوة ولا الإسوة .

سؤال : ما المقصود إذا بكلمة الإمامة هنا ودورها بعيدا عن النبوة والقدوة ؟
جواب : الإمامة كما ورد في الآية : عهد الله .
فالنبي إبراهيم قال " وَمِن ذُرِّيَّتِي " ، وهو هنا يتسأل " إلهي هل الإمامة مختصة بي ؟ أو يمكن أن تكون في ذريتي ؟ "  
والله أجابه " لَا يَنَالُ عَهْدِي " .. لم يتطرق هنا لنبوة ولا لقدوة .

سؤال : هل طلب النبي إبراهيم النبوة لذريته ؟
الإجابة : كلا . فالآية يُستدل منها هنا أن النبي إبراهيم أُعطيا الإمامة لا النبوة .
وبطبيعة الحال أن مقتضى الجواب لابد أن يكون منسجما مع السؤال .
سؤال النبي إبراهيم كان عن الإمامة . والله عبر عن الإمامة بأنها " عَهْدِي "

سؤال : هل هناك مفسرين ذهبوا لما تقول به ؟
جواب : نعم ، منهم فخر الدين الرازي ( شافعي أشعري ) ، في كتابه " مفاتيح الغيب " المشهور " بالتفسير الكبير " .
فهو فسر كلمة " وَمِن ذُرِّيَّتِي " .. طلب للإمامة التي ذكرها الله تعالى ، فوجب أن يكون المراد بهذا العهد هو الإمامة ، ليكون الجواب مطابقا للسؤال ، فتصير الآية كأنه تعالى قال : لا ينال الإمامة الظالمين .
وهذا تصريح بهذا المعنى .

سؤال : هل هناك مصدر آخر ؟
جواب : نعم ، هناك محمد بن جرير الطبري ( شافعي ) ، في كتابه " جامع البيان في تفسير القرآن " .
فهو فسر كلمة " لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ " .. واختلف أهل التأويل في العهد الذي حرم الله جل ثناؤه الظالمين أن ينالوه .
فقال بعضهم : ذلك العهد هو النبوة .

ذكر من قال ذلك : حدثني موسى قال حدثنا عمرو قال حدثنا أسباط عن السدي : " لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ " يقول : عهدي نبوتي
فمعنى قائل هذا القول في تأويل الآية : لا ينال النبوة أهل الظلم والشرك .

وقال آخرون : معنى العهد : عهد الإمامة .
فتأويل الآية على قولهم : لا أجعل من كان من ذريتك بأسرهم ظالما إماما لعبادي يقتدى به ( الطبري فسر الإمامة بالاقتداء ) .

سؤال : أنتم أبطلتم احتمال الإمامة بالاقتداء ، فهل هناك مصدر ثالث ؟
جواب : نعم ، هناك إسماعيل ابن كثير في كتابه " تفسير القرآن العظيم " .. وقال ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ  قال : لا يكون لي إمام ظالم [ يقتدى به ] . وفي رواية : لا أجعل إماما ظالما يقتدى به . وقال سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد في قوله تعالى لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ " قال : لا يكون إمام ظالم يقتدى به .
وهكذا تقريبا الكل يفسر العهد بالإمامة . 

سؤال : هذه الإمامة الإبراهيمية من يريد أن يتحقق بها ويكون مصداقا لها ، هل لابد أن يكون معصوما ؟
الجواب : نعم .

سؤال : وما هي مصادرك ؟
جواب : فخر الدين الرازي في كتابه " مفاتيح الغيب " المشهور " بالتفسير الكبير " ..
قلنا : أما الشيعة فيستدلون بهذه الآية على صحة قولهم في وجوب العصمة ظاهرا وباطنا ، وأما نحن فنقول : مقتضى الآية ذلك ( هو يقر العصمة ضمنا ) ، إلا أنا تركنا اعتبار الباطن فتبقى العدالة الظاهرة معتبرة .
ويكمل فخر الدين الرازي .. 
الآية تدل على عصمة الأنبياء من وجهين :
الأول : أنه قد ثبت أن المراد من هذا العهد : الإمامة ، ولا شك أن كل نبي إمام ، فإن الإمام هو الذي يؤتم به ، والنبي أولى الناس ، وإذا دلت الآية على أن الإمام لا يكون فاسقا ، فبأن تدل على أن الرسول لا يجوز أن يكون فاسقا فاعلا للذنب والمعصية أولى .
الثاني : قال  لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ " فهذا العهد إن كان هو النبوة ، وجب أن تكون لا ينالها أحد من الظالمين وإن كان هو الإمامة ، فكذلك لأن كل نبي لا بد وأن يكون إماما يؤتم به ، وكل فاسق ظالم لنفسه فوجب أن لا تحصل النبوة لأحد من الفاسقين .
بغض النظر عن ما ذهب إليه الرازي ، فهو يفسر الإمامة هنا بالنبوة ، لكن ما هو الأهم أن محل الشاهد ، هو أن الآية تدل على العصمة وهذا إقرار منه بذلك .

سؤال : هل يكفي آية واحدة في القرآن لإثبات أصل ومبدأ ؟
الجواب : نعم ، فماذا تقولون في قوله تعالى " اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ " ( سورة البقرة : 255 ) .
هل بحث الكرسي أمر عظيم ومهم في القرآن ؟ 
ورد في روايات الفريقين والمدرستين ( السنة والشيعة ) ، أنها أعظم آية بعد البسملة . ولكن كم مرة ذكر الكرسي في القرآن ؟  
مرة واحدة فقط . وهكذا فبآية واحدة تستطيع أن تؤسس منظومة عقدية كاملة ، منظومة معرفية كاملة ، كما في آية الكرسي .

سؤال : إذا هذه الإمامة الإبراهيمية بمقتضى النص القرآني " وَمِن ذُرِّيَّتِي ۖ قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ " هل هي موجودة في رسول الله محمد ؟ 
جواب : نعم ، وإنها - أي الإمامة - مستمرة في ذرية إبراهيم . بمعنى أنه لابد أن يُوجد في ذرية النبي محمد ( وهو من ذرية النبي إبراهيم ) ، من هو معصوم حتى ينال الإمامة . لأن الإمامة الإبراهيمية كانت معصومة ، كما جاء بنص تفسير الآية في سورة البقرة . والأدلة التاريخية تقول بأن ذرية النبي إبراهيم مستمرة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ( يرجى مراجعة سورة مريم ) . وللنبي محمد ذرية من جهة أبنته الزهراء فاطمة .  

سؤال : هكذا يتضح من القرآن ، أن هناك إمام ، وإن هذه الإمامة منصوصة ، وإنها معصومة ، وإنها مستمرة في ذرية إبراهيم لا تنقطع إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ..
جواب : أن القرآن تعرض لمبحث الإمامة بنحو دقيق وتفصيلي ، ذكر شروطها " وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ " ( سورة السجدة : 24 ) . 

سؤال : هناك من يقول أن هذه الآية مرتبطة ببني إسرائيل ؟   
جواب : نعم ، هذه الإمامة الإبراهيمية ، وهذه شروطها المستمرة . " وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ ۖ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ " ( سورة الأنبياء : 73 ) . هكذا تجد أن القرآن أعطى منظومة كاملة في الإمامة .

سؤال : هل من تدبر الشيعة لهذه الآية وفهمهم لها ، جاء إصرارهم على الإمامة ، وأنها مفردة أساسية من مفردات معارفهم الدينية ؟
جواب : نعم .


سؤال : هل الإمامة من أصول الدين أم من فروعه ؟
جواب : لا يوجد اصطلاح لا في النص القرآني ولا الروائي يتحدث عن أصول وفروع الدين الإسلامي !

سؤال : في سورة النجم الله يصف نبيه محمد " وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى* إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى " والله في سورة الحشر يخاطب المؤمنين طالبا منهم بمنطوق الآية " وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا " .. وبناء عليه ورد في القرآن وجود الإمامة ، وإنها معصومة ، وإنها منصوصة ، وإنها مستمرة ، وبوجود النبي محمد فهو إذن الإمام ، بل إمام الأئمة .  
وقد ورد في صحيح البخاري : في الجزء الرابع في كتاب الأحكام في باب جعله قبل باب إخراج الخصوم ، وأهل الريب من البيوت بعد المعرفة ، حدَّثني محمد بن المثنى حدثنا غندر حدثنا شعبة عن عبد الملك سمعت جابر بن سمرة قال : سمعت النبي يقول : " يكون اثنا عشر أميرا فقال كلمة لم أسمعها فقال أبى : انه يقول :" كلهم من قريش " .. فهو بهذا الحديث عين للمسلمين عدد الأئمة ، فمن هم ؟ 
جواب : الإمامة ليست مفتوحة لكل من هب ودب ، ولكن النبي محمد حدد نسبهم من قريش (من عترته وذريته ) لأنهم امتداد لذرية النبي إبراهيم ، فلا يمكن أن تكون في مكان آخر ، فبنص القرآن الكريم محال أن تكون إلا في ذرية النبي إبراهيم ، ولكن ذرية النبي محمد كُثر وكلهم . قال : لا ، عترتي أهل بيتي ، يا رسول الله هؤلاء أهل بيتك وعترتك قد يختلفون فلان وفلان . قال : لا ، ووضع الكساء عليهم ، وقال : اللهم أن هؤلاء أهل بيتي ، كما في صحيح مسلم  . قال صلى الله عليه وسلم : إني تركت فيكم خليفتين كتاب الله وأهل بيتي ، وإنهما لن يتفرقا حتى يردا عليّ الحوض . رواه الطبراني في الكبير ، ورجاله ثقات .
وجلال الدين السّيوطي عن أحمد والطبراني وصحّحه .
قال شارحه المناوي : " إني تارك فيكم بعد وفاتي خليفتين . زاد في رواية : أحدهما أكبر من الآخر . وفي روايةٍ بدل خليفتين : ثقلين سمّاهما به لعظم شأنهما . كتاب الله القرآن ، حبل أي هو حبل ممدود ما بين السماء والأرض . قيل : أراد به عهده ، وقيل : السبب الموصل الى رضاه . وعترتي . بمثنّاة فوقية . أهل بيتي . تفصيل بعد إجمال بدلا أو بيانا ، وهم أصحاب الكساء الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا ... ".
فالخليفتان من بعده صلى الله عليه وسلم هما : القرآن وأصحاب الكساء الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ...

ماذا يفعل الرسول حتى يُبين الحقيقة ، ثم يأتي البعض ويقول : لو كانت الإمامة حقا لبينها القرآن !
نعم ، القرآن بينها بكل تفاصيلها ، رسول الله بينها بكل تفاصيلها وقرنهم بالقرآن ، قال " كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما أن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا وإنهم لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض " .   

                                                                                                                      خالد عبد الهادي