الأحد، 18 أغسطس 2013

حكاية يوم في حياتي ...1 ديسمبر 2008

الاثنين 1 ديسمبر 2008 
الساعة الخامسة فجرا
صحوت مبكرا - كعادتي - منذ سنوات طويلة . اليوم هو غرة شهر ذو الحجة ، وأنا معتاد أيضا منذ سنوات طويلة على صوم العشر الأوائل من الشهر . مرتكزا على ما ورد في سورة الفجر : " وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ " .
طبعا كل الدول الإسلامية تلتزم بالإعلان السعودي عن بدء شهر ذي الحجة . بعكس شهر رمضان ، الذي تثور به الاختلافات ويحتدم الجدل ويثور النقاش بين فقهاء المسلمين على رؤية الهلال . فهناك فريق من الفقهاء يعتمد على الحسابات الفلكية في رؤية الهلال ، وهناك من يعتمد على الرؤية  الطبيعية . ومن النادر أن يصوم العالم الإسلامي كله في يوم واحد ، فهناك من يصوم مع السعودية ، وهناك من يصوم قبلها ، وهناك من يصوم بعدها !
الجو يساعد على الصوم ، فالنهار قصير ، والأجواء مائلة للبرودة .
-------
الساعة الثامنة صباحا
كنت أتابع نشرة أخبار " الجزيرة هذا الصباح " على قناة الجزيرة .
يوم إسرائيل بامتياز !
الخبر الأول : أن دول الاتحاد الأوروبي أعدت وثيقة تتضمن برنامج عمل يتعلق بمسيرة السلام ، هدفها وقف عمليات الأمر الواقع التي تنفذها إسرائيل في القدس والضفة الغربية ، والضغط عليها كي توقف الاستيطان وازالة الحواجز العسكرية وتعيد فتح " بيت الشرق  " الفلسطيني في القدس الشرقية المحتلة وانجاز اتفاق سلام مع الفلسطينيين في سنة 2009 ، وتلتزم السلطة بمكافحة الارهاب .
---
ما يسمى بالسلام واقعيا انتهى باغتيال إسحاق رابين رئيس وزراء إسرائيل يوم السبت 4 نوفمبر 1995 .
وما يسمى بالسلام رسميا انتهى بانتخاب بنيامين نتانياهو لرئاسة الوزارة يوم الخميس 30 مايو 1996 .
المجتمع الإسرائيلي مجتمع حرب وليس مجتمع سلام !
المجتمع الإسرائيلي يريد سلام في مقابل سلام ، وليس أرض في مقابل سلام !
المجتمع الإسرائيلي لن يبت في القضايا الكبرى المعلقة : المستوطنات - اللاجئون - الحدود النهائية - القدس !

-------
الخبر الثاني : مجموعة من قوى السلام الإسرائيلية تسعى إلى توحيد صفوف الحزبين الحاكمين " كديما " برئاسة وزيرة الخارجية  تسبي لفني ، ووزير الدفاع إيهود باراك رئيس حزب " العمل " ، رغم معارضتهما ، في لائحة انتخابية واحدة لمجابهة حزب " الليكود " برئاسة بنيامين نتانياهو في الانتخابات المقبلة يوم الثلاثاء 10 فبراير 2009 .
---
تذكرت قولا منسوبا للأستاذ هيكل : " ان معرفتنا بماضي أي إنسان هي نصف معرفتنا بمستقبله " !
من اللافت للنظر أن كل المتسابقين للانتخابات ينتموا لمعسكر الحرب وليس لمعسكر السلام .
تسبي لفني كانت منضمة للمخابرات الإسرائيلية " الموساد " ويقال بأنها مارست القتل بيديها ( قتلت شخصيات فلسطينية . كما عملت خادمة تحت اسم مستعار ، في بيت عالم ذرة عراقي وقامت باغتياله بالسم ) !
إيهودا باراك قام بقتل ثلاثة من القادة الفلسطينيين في منطقة فردان ببيروت سنة 1973 وهم : كمال ناصر ، كمال عدوان و محمد يوسف النجار ، بعد أن تخفى بملابس نسائية !
بنيامين نتانياهو كان ضابطا في وحدة كوماندوز خاصة !

-------
الخبر الثالث : الرئيس اللبناني ميشال سليمان يبدأ زيارة رسمية لألمانيا .
---
ألمانيا لعبت دورا مركزيا في ايجاد مخارج وحلول لمسائل شائكة بين لبنان وإسرائيل مثل ملف الاسرى والمعتقلين ، وقد أثمرت عن عمليتي تبادل ناجحتين بين حزب الله وإسرائيل .
هل هناك واسطة ألمانية جديدة ؟

-------
الخبر الرابع : مركز الحفاظ على شعب إسرائيل وأرض إسرائيل ، وهي منظمة يهودية . قد أقامت مهرجان لتكريم جنود من الجيش الإسرائيلي رفضوا المشاركة في اجلاء المستوطنين من المستوطنات . وقد وعدت بمنح عدة آلاف من الدولارات لكل جندي يرفض أوامر إخلاء المستوطنات .
---
رهاننا القادم هو على الوطنية الإسرائيلية !

-------
الخبر الخامس : الجنرال حسن شاه صفي قائد القوات الجوية الإيرانية ، أعلن بأن بلاده صممت طائرة يمكنها تفادي أجهزة الرادار ، كما ستجري اختبارا على صاروخ إيراني جو - جو يبلغ مداه 40 كيلومتر .
---
تجري إيران الكثير من المناورات الحربية أو اختبارات لأسلحة لإظهار عزمها على التصدي لأي هجوم قد تشنه الولايات المتحدة أو إسرائيل على مواقعها النووية .
يحسب للثورة الإيرانية فضل أنها ما تزال مرابطة عند أسوار القدس .

-------
الخبر السادس : الهند تهدد بإلغاء صفقات سلاح ضخمة بقيمة ملياري دولار مع إسرائيل . بعد الانتقادات التي وجهها وزير الدفاع الإسرائيلي أيهود باراك ، لأداء قوات الأمن الهندية في مومباي خلال العمليات الارهابية الأخيرة .
---
كان هناك تعاون في كافة المجالات بين العرب ( زمن ناصر ) والهند من أيام حركة التحرر الوطني وسياسة عدم الانحياز .. ماض لا يعود !
فالعرب ارتضوا بعلاقة ثنائية مع الولايات المتحدة .. وارتضوا بعلاقات متعددة مع النساء من زوجات وجواري ومحظيات !

-------
الخبر السابع : الرئيس الأمريكي المنتخب باراك أوباما يعلن اختياره السيدة هيلاري كلينتون لتولي منصب وزارة الخارجية ، وأن هناك الكثير ينبغي عمله : من منع وصول الأسلحة النووية إلى إيران وكوريا الشمالية ، إلى السعي من أجل سلام دائم بين إسرائيل والفلسطينيين ، إلى تعزيز المؤسسات الدولية ، إلى القضاء على تهديد الإرهاب ، إلى إعادة مكانة الولايات المتحدة كقوة تغيير ايجابية .
---
مطلب كل الإدارات الأمريكية ( جمهورية أم ديمقراطية ) هو ردع إيران عن امتلاك أية أسلحة متقدمة ، على أن تكون الإجراءات ضد القيادة الإيرانية وبدون تأثير على الشعب الإيراني ( قد تتحول لحليف كما كانت زمن الشاه ) !
لا قلق على أمن إسرائيل من الفلسطينيون أو العرب .. والتفاوض سيعكس موازين القوى بين الطرفين ، وكلها لصالح إسرائيل !
الإرهاب بنظر كل الإدارات الأمريكية هو حزب الله وحركة حماس وتشجيع سوريا لهما ، والمطلوب ضمان تحجيمهم ، مع تقوية إمكانيات الردع الإسرائيلي !

-------
الخبر الثامن : معرض " صنع في سوريا " المقام للمرة الثالثة هذا العام على أرض المعارض بالقاهرة يحقق نجاحا إنسانيا واجتماعيا ، رغم الجفاء السياسي بين البلدين . فقد تراجعت العلاقات بعد حرب لبنان 2006 ، بعد أن وصف الرئيس السوري بشار الأسد القادة العرب بأنهم " أنصاف رجال " ، لانتقادهم تهور حزب الله وإعطاء إسرائيل مبرر لشن حرب . وتعليق الرئيس المصري حسني مبارك على خطاب الرئيس الأسد : " أسأل الله الهداية لكل من تفلت أعصابه ويؤدي ذلك إلى انفلات لسانه " .
---
بعد 60 عاما ليس هناك تصور عربي موحد بشأن التعامل مع إسرائيل سواء سلما أو حربا ، إنما مجموعة تصورات مخلوطة ومشوشة متدحرجة بغير هدى وعلى غير طرق ودون بوصلة أو خرائط !   

-------
الخبر التاسع : الزوارق البحرية الإسرائيلية تعترض السفينة الليبية " المروة " وتمنعها من الوصول إلى سواحل مدينة غزة وتجبرها على العودة إلى ميناء العريش المصري القريب . وبررت إسرائيل هذا الموقف : " بأن السفينة تحمل على متنها سلاحا وذخيرة ووسائل قتالية ، وقد يكون عليها مستشارون عسكريون إيرانيون لتقديم المشورة لحركة حماس للقيام بعمليات إرهابية " .
وقال جمال الخضري رئيس اللجنة الشعبية لكسر الحصار : " أن السفينة تحمل ثلاثة آلاف طن من المواد الغذائية والطبية " .
---
تذكرت تصريح للأستاذ هيكل في بداية سنة 1983 " نحن نعيش في ظلال الحقبة الإسرائيلية " .
كنت قد أطلعت على تقرير شارل مالك لوزارة الخارجية اللبنانية يوم الجمعة 5 أغسطس 1949 : " سيأتي العهد اليهودي حتما إذا ظل العالم العربي على تأخره وتفككه الحاضرين " .
للأسف فإن أحداث الشرق الأوسط تسير وفق الأجندة الإسرائيلية .. حزينا أقولها !

-------
منتصف اليوم  
انهى سوق عمان المالي في جلسة اليوم ارتفاعه مدعوما من كافة القطاعات وغالبية القياديات ، وعلى رأسهم سهم البنك العربي الذي أرتفع بنسبة % وسط تداولات نشطة نسبيا رغم تراجعها الكبير عن مستويات جلسة يوم الأحد 30 نوفمبر التي شهدت صفقتين كبيرتين على سهم البنك العربي ، حيث كسب المؤشر العام ما نسبته 2.64 % ليقفل عند مستوى 2840.37 نقطة . وقد بلغ حجم التداول 39.8 مليون دينار .
( رفعت أسرة الحريري مساهمتها في البنك العربي إلى 22 % من إجمالي الأسهم 534 مليون سهم بعد أن أصبحت ملكيتها فيه 117 مليون سهم . وتمتلك شركة سعودي أوجيه المحدودة المملوكة لأسرة الحريري والمسجلة كشركة سعودية الجنسية ، 48 مليون سهم بنسبة 9 % تقريبا ، فيما تمتلك شركة أوجيه ميدل إيست هولدنغ اللبنانية الجنسية وتملكها أيضا أسرة الحريري 37.5 مليون سهم تمثل ما نسبته 7 % من أسهم البنك . وتملك الأسرة ذاتها أيضا من خلال بنك البحر المتوسط اللبناني الجنسية ما نسبته 4.9 % تعادل 26 مليون سهم . وأخيرا يملك ابن العائلة الشيخ بهاء الدين الحريري 5.4 مليون سهم نسبتها 1.02 % من إجمالي أسهم البنك ) .

-------
الساعة الواحدة ظهرا 
كنت استمع للسيد رامي الحصري رئيس وحدة الوساطة المالية بإدارة الثروات لدى بنك الإسكان للتجارة و التمويل ( وهو يدير فريق متخصص يعمل بتفاني لخدمة عملائه وتلبية احتياجاتهم بأسلوب كفؤ ، سريع ودقيق . ويقدم خدمة نظام التداول المباشر ، الذي يمكن العملاء من التداول من أي مكان ، علاوة على متابعة الأسواق العالمية ، وأخبار الأسهم ، الرسومات والأخبار الفورية والكثير من الميزات التي تساعد العميل على اتخاذ القرار الاستثماري ) .
السيد رامي أراد أن يزيد من حالة التفاؤل السائدة في السوق بعد جلستين من الارتفاع . هو أبلغني بأن : " قيمة الاستثمارات الأجنبية في البورصة الأردنية بلغت حوالي 11.6 مليار دينار تمثل 46.1 % من إجمالي الاستثمارات في البورصة حتى نهاية نوفمبر الماضي " .
وأضاف : " تراجعت ملكية الأجانب بنسبة طفيفة من 46.8 % للشهر الذي سبقه ، ما يدحض التوقعات بتراجع كبير للاستثمارات الأجنبية كإحدى النتائج المتوقعة للأزمة المالية العالمية " .
السيد رامي الحصري قدم لي بيانات بالأرقام يظهر جنسية المستثمرين العرب والأجانب ونسبة ملكيتهم في سوق عمان المالي حتى نهاية نوفمبر .
تصدر المستثمرون السعوديون المرتبة الأولى  بين المستثمرين العرب والأجانب .
1 - السعوديون : نسبة ملكيتهم 7.4 % يقيمة 1859 مليون دينار .
2 - الكويتيون : نسبة ملكيتهم 7.1 % بقيمة 1769 مليون دينار .
3 - اللبنانيون : نسبة ملكيتهم 5.4 % بقيمة 1366 مليون دينار .
4 - القطريون : نسبة ملكيتهم 4.3 % بقيمة 1078 مليون دينار .
5 - الأميركيون : نسبة ملكيتهم 3.4 % بقيمة 855 مليون دينار ( الذين يحملون الجنسية الأميركية هم بالأصل مستثمرون في غالبيتهم من أصول أردنية وفلسطينية ولبنانية ) .
6 - الليبيون : نسبة ملكيتهم 2.2 % بقيمة 548 مليون دينار .
7 - المستثمرون المسجلون في جزر القمر وجيرسي : نسبة ملكيتهم 2.1 % بقيمة 543 مليون دينار .
8 - جنسيات عربية مشتركة : نسبة ملكيتهم 2.1 % بقيمة 515 مليون دينار .
9 - البحرينيين : نسبة ملكيتهم 1.7 % بقيمة 435 مليون دينار .

-------
الساعة الثانية ظهرا 
كنت في مكتب الصديق رعد حجازين مدير علاقات خدمات الاستثمار في بنك الإسكان . هو شاب في منتصف العشرينات من عمره ، لديه طموح حدوده السماء ، وعين على الهدف معززة بوسائل العلم والمعرفة والإرادة التي لا تعرف الاستكانة .
بدأ حديثه معي محذرا : " أن الاقتصاد العالمي سوف يدخل في حالة ركود عميق في حال فشل حزم المحفزات الاقتصادية العديدة التي بدأت بعض البلدان في تطبيقها لتحسين الوضع المالي واستعادة ثقة المستهلك على مدار الشهور المقبلة " .
هو قال : " بأن الحل بتطبيق محفزات اقتصادية متناسقة وضخمة وسريعة لمواجهة تباطؤ الاقتصاد العالمي " .
هو توقع : " حدوث انخفاض في متوسط دخل الفرد في الناتج القومي خلال السنة المقبلة وهبوطا في نمو الصادرات وتدفقات رأس المال إلى جانب ارتفاع تكاليف الاقتراض للبلدان النامية ، حيث تنتشر المصاعب الاقتصادية من الاقتصاديات الغنية " .
هو توقع : " أن يواصل الدولار الأميركي هبوطه مع احتمالية انخفاضه بشدة في عام 2009 " .
هو حذر : " يمكن للبلدان المتقدمة أن تدخل في ركود عميق في عام 2009 إذا استمر الانكماش الائتماني لفترة طويلة ولم يتم استعادة الثقة في القطاع المالي في غضون الأشهر المقبلة " .

-------
الساعة الخامسة مساءا
حان موعد الافطار . طبعا لا وجود لمدفع رمضان ، بل انتظار لصوت المؤذن ( بيتي بجانب مسجد أبو قوره ، وهي عائلة دينية ومن المساهمين في تأسيس حركة الإخوان المسلمين في الأردن بمنتصف أربعينات القرن العشرين ) .
فريال طاهية محترفة ، وأكلها يحمل نكهة مطبخ بلاد الشام الحقيقية ، وبالنسبة لها فالطبخ يعني الكثير لها ، فهي ربة بيت بامتياز .
الأطباق شهية : مقبلات ( تبولة ) ، فطائر مقرمشة ( بعضها محشية بالخضار والآخر بالجبنة البيضاء ) ، الطبق الرئيسي إيطالي : معكرونة وقد أضافت له فريال نكهة فلسطينية ، رشة من نبتة الزعتر الناشف .

-------
الساعة السابعة مساءا 
كنت أنا وفريال في البركة مول بمنطقة الصويفية . هي كانت بحاجة لمعطف ، فهذه أول سنة لنا في عمان وبردها القارس وتساقط الثلوج ، بينما قضينا 43 سنة في الكويت وشتاءها الدافئ نسبيا ولا حاجة للمعطف .
توجهنا لمحلات ABC الشهيرة في بيروت ، وهذا أول فرع خارجي لها . البائعة طلبت من زوجتي مواصفات المعطف .
فريال طلبت من البائعة معطفا ذو جودة عالية ( هي طلبت معطفا يجمع بين الصوف والكشمير ) وتصميم مميز وأناقة كلاسيكية .
هي طلبت معطفا متوسط الطول ( لحدود الركبة ) - واسعا نوعا ما ، ومعه حزام لإظهار الخصر ( فريال لا يتجاوز وزنها 60
كيلوغرام ) ، وأن يكون لونه غامقا .

-------
الساعة التاسعة مساءا 
كنت جالسا في مكتبي ، مطالعا كتاب " فلسفة الثورة " للرئيس جمال عبد الناصر .
الكتاب طبع سنة 1954 ، وقد صاغه وحرره الأستاذ محمد حسنين هيكل . وهو يقع في 112 صفحة من القطع الكبير ، ويقع في ثلاثة أجزاء .
والكاتب يقر في مقدمته بأنه ليس كتابا ، وإنما " دورية استكشاف " - منطق رجل ذو خلفية عسكرية - ، لاكتشاف نفوسنا ، والظروف المحيطة بنا ، واهدافنا ..
ثم هو يؤكد بأن ثورة 23 يوليو كانت تحقيقا لأمل سبقه فيه السيد عمر مكرم في تزعمه حركة تنصيب محمد علي واليا على مصر . ومحاولة عرابي في مطالبته بالدستور . ثم ثورة 1919 بزعامة سعد زغلول .
ثم هو ينفي بأن الثورة قامت بسبب نتائج حرب فلسطين 1948 ، أو بسبب الأسلحة الفاسدة ، أو بسبب انتخابات نادي ضباط الجيش .
هو يجزم بأنه كان يحارب في فلسطين ، ولكن أحلامه كانت كلها في مصر .
متذكرا قول أحمد عبد العزيز قبل موته : " ان ميدان الجهاد الأكبر هو في مصر ... " .
مستدلا بمقالات ضابط إسرائيلي اسمه يردهان كوهين نشرها في جريدة جويش اوبزرفر The Jewish Observer ، بأنه التقى بجمال عبد الناصر أثناء مباحثات واتصالات عن الهدنة قائلا في احدى مقالاته : " لقد كان الموضوع الذي يطرقه جمال عبد الناصر معي دائما هو كفاح إسرائيل ضد الإنجليز ، وكيف نظمنا حركة مقاومتنا السرية لهم في فلسطين وكيف استطعنا أن نجند الرأي العام في العالم وراءنا في كفاحنا ضدهم " .
ثم يعود إلى أيام التلمذة والفوران الذي عاشه ماشيا مع المظاهرات الهاتفة بعودة دستور سنة 1923 .
هو يتسأل : " لقد أحسست منذ انبثق الوعي في وجداني ، أن العمل الايجابي يجب أن يكون طريقنا .. ولكن أي عمل .. ؟!
ثم يستطرد بأنه في فترة من حياته كانت الحماسة هي العمل الايجابي في تقديره .
وهو يعترف أن الاغتيالات السياسية توهجت في خياله المشتعل في تلك الفترة - أجواء الحرب العالمية الثانية - على أنها العمل الايجابي الذي لا مفر من الاقدام عليه ، إذا يجب عليه أن ينقذ مستقبل وطنه .
ثم يذكر حادثة غيرت مجرى أفكاره وأحلامه . فقد اختار واحد يجب أن يزول من الطريق ...
وجاءت الليلة الموعودة وخرج بنفسه مع جماعات التنفيذ .. وسار كل شيء طبقا لما تصوره .
وأقبل الواحد الذي كان يجب أن يزول وانطلق نحوه الرصاص ..
وانسحبت فرقة التنفيذ ، وغطت انسحابها فرقة الحراسة ، وبدأت عمليات الافلات إلى النجاة ، وأدار محرك سيارته وأنطلق يغادر المسرح الذي شهد عملهم الايجابي الذي رتبوه ..
وفجأة دوت في سمعه أصوات صريخ وعويل ، وولولة امرأة ورعب طفل ، ثم استغاثة متصلة محمومة ..
ولم ينم طول الليل .
بقي مستلقيا على فراشه في الظلام ، يشعل سيجارة وراء سيجارة ويسرح مع الخواطر الثائرة ، ثم تتبدد كل خواطره على أصوات الصراخ والعويل والولولة والاستغاثة التي ما زالت تطرق سمعه ..
ووجد نفسه يقول فجأة : " ليته لا يموت " !
وكان عجيبا أن يطلع عليه الفجر ، وهو يتمنى الحياة للواحد الذي تمنى له الموت في المساء !
وهرع في لهفة إلى احدى صحف الصباح ... واسعده أن الرجل الذي دبر اغتياله .. قد كتب له النجاة .
ثم يخرج بنتيجة : " ولقد كان من السهل - وما زال سهلا حتى الآن - أن نريق دماء عشرة أو عشرين ، فنضع الرعب والخوف في كثير من النفوس المترددة ونرغمها على أن تبتلع شهواتها واحقادها واهواءها . ولكن أي نتيجة كان يمكن أن يؤدي إليها مثل هذا العمل ؟ " .
ثم يعرج على الجذور التاريخية لمصر . هو يرى أن مصر على مفرق طرق من الدنيا . وكثيرا ما كانت معبرا للغزاة ، ومطمعا للمغامرين .
فلا يمكن اغفال تاريخ مصر الفرعوني ، ثم تفاعل الروح اليونانية مع روح مصر ، ثم غزو الرومان ، والفتح الإسلامي وموجات الهجرة العربية التي أعقبته .
والحروب الصليبية ، و المغول والشركس ( المماليك ) ، وما رافق ذلك من طغيان وظلم وخراب وذل وفقر .
ثم يتذكرا عبارة كثيرا ما هتف بها طفلا صغيرا ، حينما كان يرى الطائرات في السماء ..
" يا ربنا يا عزيز .. داهية تأخذ الإنجليز " ..
في الفصل الثالث والأخير من الكتاب ، يتحدث الرئيس ناصر عن أن العالم كله - وليس مصر فحسب - هو نتيجة لتفاعل الزمان والمكان .
الزمان يفرض علينا تطوره ..
والمكان يفرض علينا حقيقته .
فالقدر لا يهزل ، ليست هناك أحداث من صنع الصدفة ولا وجود يصنعه الهباء .
ثم يحدد سياسته عبر الدوائر الثلاث الشهيرة  :
- الدائرة الأولى : العربية تحيط بنا ، وهي منا ونحن منها ، امتزج تاريخنا بتاريخها ، وارتبطت مصالحنا بمصالحها حقيقة وفعلا وليس مجرد كلام .. ؟
- الدائرة الثانية : الإفريقية شاء لنا القدر أن نكون فيها ، وشاء أيضا أن يكون فيها اليوم صراع مروع حول مستقبلها ، وهو صراع سوف تكون آثاره لنا أو علينا سواء أردنا أو لم نرد .. ؟
- الدائرة الثالثة : الإسلامية تجمعنا واياه روابط لا تقر بها العقيدة الدينية فحسب ، وإنما تشدها حقائق التاريخ .. ؟
ثم يشرد مع افكاره متذكرا قصة مشهورة للأديب الإيطاليّ لويجي بيراندللو Luigi Pirandello أسماها : " ست شخصيات تبحث عن مؤلف Six Characters In Search of an Author " .. !؟
ثم يحدد هدفه قائلا بالحرف : " لست ادري لماذا يخيل اليّ أن هذا الدور الذي ارهقه التجوال في المنطقة الواسعة الممتدة في كل مكان حولنا ، قد استقر به المطاف متعبا منهوك القوى على حدود بلادنا يشير الينا أن نتحرك ، وأن ننهض بالدور ونرتدي ملابسه فان أحدا غيرنا لا يستطيع القيام به " .
ثم يعود مرة أخرى لفلسطين ، فيؤكد بأنه عندما بدأت أزمة فلسطين كان مقتنعا في أعماقه بأن القتال فيها ليس قتالا في أرض غريبة ، وهو ليس انسياقا وراء عاطفة ، وإنما هو واجب يحتمه الدفاع عن النفس .
---
هذه هي المرة الثانية التي أطلع بها على الكتاب .. وعبد الناصر هو البطل في حياتي .. هناك تمثال نصفي له في غرفة المكتب في بيتي ( كان قد أهداه لي أحد أزواج شقيقاتي ) .. صورة له معلقة على أحد جدران الغرفة ( رسمها الفنان بكر المصري ) .. صندوق صغير من الفضة محفورا عليه توقيعه الشهير بزواياه الحاده ( هدية من خالتي ، وهي حصلت عليه من الرئيس جمال عبد الناصر شخصيا عندما أخذها جدي في أول أيام الوحدة بين مصر وسوريا لتحيته - جدي ( الدكتور مدحت البيطار ، وهو أحد مؤسسي حزب البعث مع الأستاذين ميشيل عفلق وصلاح الدين البيطار ( لا توجد صلة دم بين العائلتين رغم أنهما يحملان نفس الاسم ) .
كما أن والدي معجبا بالرئيس جمال عبد الناصر ، وقد تزوج بوالدتي سنة 1964 (ذروة المد الناصري) كما أن أسم شقيقتي الكبرى ( منى ) وأسمي أنا ، هما نفس أسماء بنت وأبن الزعيم الراحل .   

-------
الساعة الحادية عشر مساءا
كنت أنا وفريال نشاهد فيلم النهر الغامض Mystic River على أحد قنوات محطة MBC . كنا قد شاهدناه قبل خمس سنوات تقريبا في السينما أثناء اقامتنا بالكويت . الفيلم من إخراج كلينت ايستوود Clint Eastwood ، بطولة شون بن Sean Penn وتيم روبنز Tim Robbins . الفيلم انتاج سنة 2003 وبكلفة 30 مليون دولار . 
الفيلم يحكي قصة ثلاثة من الاطفال ( جيمي ، شون ، ديف ) يلعبون في الشارع لعبة الهوكي ثم ينصرفون إلى العبث بمسطح أسمتني على الرصيف وكتابة أسمائهم عليه ، وقبل أن يكمل ( ديف ) كتابة أسمه تقف بالقرب منهم سيارة ويترجل منها أحد الأشخاص موهما لهم بسلطته على هذا الحي وقدرته على محاسبتهم ويقوم بخطف ( ديف ) مع رجل آخر أكبر سنا ويقومان بحجزه والاعتداء عليه جنسيا لمدة أربعة أيام قبل أن يهرب بجرح عميق أورثه العزلة حتى عن اصدقائه .
بعد ثلاثين عاما " ديف : تيم روبنز " يتحدث مع أبنه في الشارع حتى يقف أمام ذلك المسطح الإسمنتي مستعيدا تلك الذكريات الحزينة وهو يقرأ أسمه الذي لم يكمل كتابته حينها . يبدو (  ديف )  زوجا هادئا ، لكنه لا يستطيع اخفاء ملامح الكآبة والاحباط اللذين يعبران عن عمق جرحه القديم ، وهذا ما ينعكس على حياته وعلاقته مع زوجته ويجعله في حالة من الحزن والحيرة .
" جيمي : شون بن " أب حان يدير محلا تجاريا ويقدم مشاعر كبيرة من الحب والعطف على زوجته وابنته من زوجته الأولى . يبدو في ظاهره شخصا قويا وصارما إلا أن هذه النفس ستنكشف عن ألم وضعف .
" شون : كيفن بيكون " ، محقق في الشرطة لا يعيش حياة مستقرة وهو ينتظر بشوق أن تعود إليه زوجته التي ترفض حتى محادثته عبر الهاتف .
يسوق القدر هؤلاء الثلاثة ليجتمعوا من جديد بعد أن اكتفوا بعلاقتهم اثر حادثة الخطف الرهيبة بمجرد البسمة الباردة وتبادل التحية عند لقاءاتهم العابرة في الحي كما يقول ( شون ) لصديقه المحقق الآخر ، حيث توكل مهمة التحقيق في مقتل أبنة ( جيمي ) إلى ( شون ) في حين أن ( ديف ) يأتي كأحد المتهمين بسبب بعض الدلائل . وسيكون المحقق ( شون ) مضطرا للتعامل عن قرب مع أصدقاء طفولته من دون أن ينسى ذلك الجرح الذي فرقهم .
ديف ) يأتي بآخر الليل ويداه ملطختان بالدماء ، يدخل للبيت وبمعونة من زوجته تنظف بقايا الدماء وتهدئ من روعه ليشرح لها قصة تبدو غير مقنعة بتاتا عن متشرد هدده بسكين فضربة على رأسه !
يبدو للزوجة بأن ( ديف ) قد نفس بجريمته عن غضبه العميق وحزنه المقيم من الحياة - شرعية العمل المباشر !
( جيمي ) مهتم بمعرفة من قتل ابنته ؟
تزداد الشكوك والاشارات بأن ( ديف ) هو من قتل ابنة ( جيمي ) - دون سند أو أدلة أو انتظار لتحقيق !
( جيمي ) يواجه ( ديف ) عند النهر ويهدده بالقتل أن لم يعترف بجريمته !
( جيمي ) يجهز على ( ديف ) ليطفئ نار غضبه وليثأر لابنته - شرعية العمل المباشر !
يهرع ( شون ) إلى ( جيمي ) لبلغه أن الأمن قد قبض على القاتل الحقيقي لأبنته !
( جيمي ) يقنع نفسه وزوجة ( ديف ) وصديقه ( شون ) - بالحوار الصامت - أن ( ديف ) قد نال جزاءه ، فهو ارتكب جريمة قتل في نفس ليلة مقتل ابنة ( جيمي ) - شرعية العمل المباشر !

-------
بعد منتصف الليل
توجهت لسريري متذكرا نداء الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر : " لم يعد أمام كل فرد حر إلا أن ينزل بنفسه إلى الشارع ويغير ما لا بد من تغييره " !
كما تذكرت نداء المفكر الباكستاني أبو الأعلى المودودي : " أن الزمن أصبح يدعو كل مسلم إلى تغير المنكر بيده " !
هكذا تقابل الغرب ( عبر سارتر العلماني الملحد ) والشرق ( عبر المودودي الإسلامي الأصولي ) على نقطة واحدة وفي زمن واحد دون قصد أو اتفاق !
أما أنا فقد استسلمت لنداء النوم !


                                                                                                                              خالد عبد الهادي