الثلاثاء، 30 يوليو 2013

الحريق

استأذن في إضافة عدد من الملاحظات :

1 - إن ما هو منشور أدناه لا ينتمي قطعا للشعر الكلاسيكي ، ولا أعرف أن كان ينتمي للشعر الحر !
2 - لا بد أن أعتذر لكل من يقرأ لي - ففي مقالة : " مع الشعر - أحمد شوقي " قلت بالحرف : " لم أحاول يوما أن أكتب الشعر ، و لا أظنني سأفعل " - هذا إذا كان ما هو منشور أدناه ينتمي لعالم الشعر ، أو ربما لعالم النثر ، وربما هو مزيج من الاثنان .. أو هو كما هو !
3 - أن أزمة سوريا ، جعلت الصدور ضيقة والأعصاب متوترة والأمزجة منحرفة ، وليس هناك غير سؤال واحد مطروح على كل الناس بنعم أو لا ؟ .. مع هذا أو ذاك ؟ .. هنا أو هناك ؟ 
وهذا من أسهل الحلول وأخطرها في نفس الوقت !
سهل لأنه يعفي أصحابه من حق الاجتهاد . 
وخطر لأنه ينقل هذا الحق في الاجتهاد إلى إرادات أخرى لها أغراضها ، وعندها خططها . 
4 - لقد انقسمت الأمة مرة أخرى بعد قرابة أربعة عشر قرنا من الزمان إلى " أصحاب لمعاوية " أو " شيعة لعليّ " ، وكأن محنة الفتنة الكبرى ، وتعاقب القرون بعدها لم يجعل هذه المنطقة الممتدة من الخليج إلى المحيط تتعلم شيئا ، أو تنسى شيئا !
-------

سوريا ضمن طوق الحريق ..
الأردن يخشى من امتداد الحريق ..
العراق يقوم بدور الشقيق ..
إيران أكثر من صديق ..
لبنان بين الحريق والغريق ..
-------
إسرائيل بحالة أرق ..
حزب الله بحالة قلق ..
تركيا بحالة ضيق ..
-------
بوتين في الأزمة تألق ..
نتنياهو   يصب الزيت فوق الحريق ..
أردوغان للحلول يعيق ..
-------
بعض العرب صادق ..
وبعضهم منافق ..
الشعب العربي عليهم باصق ..
الزعماء العرب : فلان أحمق ..
وعلان أخرق ..
وترتان للعقل مطلق ..
والرابع فاسق ..
والآخر بالشر يحيق ..
-------
الإرهابيون إلى الشام من كل فج عميق ..
والسلاح إلى سوريا دافق ..
عبر مئة نفق وطريق ..
قلوبهم شتى وتحسبهم فريق ..
-------
أجهزة الأنذار تدق ..
ومجال الحركة والمناورة يضيق ..
-------
دمشق ..
بانتظار معركة يلمع فيها البريق ..
ساعة الصفر ستدق ..
البعض رسم خرائط على الورق ..
قص ولزق ..
الكل اجتمع علينا من الغرب والشرق ..
ليسوق ..
في ليل غسيق ..
خططا لتمزيق الممزق ..
فتفرقنا نحل وفرق ..
وبين كل حارة وأخرى خندق ..
غميق ..  
-------
لكن الخامنئي استعد بالفيلق ..
مهددا ومتوعدا لإسرائيل بالحريق ..
حرب ستحرق اليابس والحديق ..
والكل لرؤوسهم حليق ..
فرط رعب وشهيق ..
-------
لجأنا للخالق ..
رب الفلق ..
ورب البيت العتيق ..
القاسم بالشفق ..
والليل وما وسق ..
والقمر إذا اتسق ..
رب كل شئ ناطق ..
من هذا الخنيق ..
  -------
فأنت الرحيق ..
وأنت الرفيق ..
وأنت للأعناق ..
غادق ..
بعد الإجهاد والإرهاق ..
وأنت الرازق ..
وللشر زاهق ..
ولفرعون ساحق ..
وللجبار ماحق ..
وللطاغية صاعق ..
تقبل سجودنا تحت السرادق ..
خذ علينا الميثاق ..
فلن نقول عليك إلا الحق ..
فأنت للوعد صادق ..
والمفرج بعد ضيق ..
أهدنا مستقيم الطريق ..
من هذا الحريق ..
-------
كتبت يوم الجمعة 26 أبريل 2013


                                                                                                                       خالد عبد الهادي

السبت، 20 يوليو 2013

حكاية يوم في حياتي .. 13 نوفمبر 2008

الخميس 13 نوفمبر 2008 
الساعة الخامسة فجرا
أعتبر نفسي إنسان نهاري ، فأنا معتاد على الصحو مبكرا منذ سنين طويلة ما بين الخامسة والخامسة والنصف - حتى في أيام الإجازة !
فرغت من أداء الطقوس اليومية الصباحية : حلاقة ذقني - الصلاة - شرب أربع أكواب من الماء : نصحية من رجل أعمال ياباني ( للتقليل من ضغط الدم والامساك ) - السيد آبي إندو - وهو يملك مصنعا للموكيت في مدينة أوساكا - وكان والدي وكيله - طيلة سنوات السبعينات والثمانينات - في دولة الكويت - أثناء اقامته بها .
أولادي الثلاثة : أروى ، عبيدة ونور .. أكملوا استعدادهم كي أقلهم إلى المدرسة .. ألقوا عليّ تحية الصباح وهنئوني بعيد ميلادي الثالث والأربعين بعد أن طبعوا قبلة على خدي .
كانت الشمس تقوم من مخدعها .. الجو في عمان خريفي مائلا للبرودة ، ولكنه متقلب ورياحه لا تستقر على حال .. ولكن مع سطوع الشمس كاملة مع درجة حرارة لا تزيد على أربعة عشر يجعل مزيج برودة الجو ودفء الشمس أحساسا دافقا بالحيوية - شقتي مرتفعة عن سطح البحر بأكثر من ألف متر .
الطريق من البيت للمدرسة - عدة كيلومترات - كأنه بساط مغطى بأوراق الشجر الصفراء الجافة ، والحشائش رطبة مبتلة بماء المطر الخفيف .
-------
الساعة الثامنة صباحا
لا شئ أمتع من حمام دافئ معطر ، وفنجان شاي ساخن على مائدة الافطار .. تصفحت الصحف - أنا مشترك بجريدتي الرأي الأردنية ، والحياة اللندنية -
لفت نظري خبر من واشنطن مفاده : " البنتاغون يقدم وصفات للرئيس المنتخب باراك أوباما لأول 90 يوما " .

هذا هو دور المؤسسات في العالم المتقدم لإدارة موارد الدولة وامكانياتها البشرية والمعنوية والاستراتيجية والتي هي السياسة في النهاية .. الادارة العلمية .. التنظيم .. نحن أمام مديرون أكفاء Good Managers تنظم هذه المجتمعات التي دخل العلم في كل ركن من حياتها .. الحوسبة Computerization عالم مختلف يريد مديرين ويريد مجموعات ..
تذكرت جملة للأستاذ محمد حسنين هيكل عندما قابلته في نوفمبر 2001 في مكتبه بالجيزة برفقة الأديب يوسف القعيد : " أن زعماء العالم العربي يطلبون من رعاياهم ان يتحلوا بكفاءة الزمن الإلكتروني ، أما هم فقد أصروا على الاحتفاظ لأنفسهم بسلطان الزمن القبلي " .
---
اتصل والديّ وشقيقاتي - والديّ وخمسة من شقيقاتي يقطنون في الكويت - واثنتان في عمان .
تذكروا - كرما وعهدا - أنه يوم ميلادي الثالث والأربعون .
-------
الساعة التاسعة والنصف صباحا
كنت في قاعة وحدة الوساطة ببنك الاسكان للتجارة والتمويل بالطابق الخامس .
كنت في يناير 1999 قد فتحت حسابا تجريبي في جزيرة غيرنسي Guernsey - تقع في القنال الإنجليزي وغير خاضعة للضرائب - لأتمكن من المتاجرة بالأسهم والسندات الأوروبية .
ومنذ يناير 2003 تفرغت تماما للعمل في تجارة الأسهم والسندات والمشتقات المالية المحلية والأقليمية والعالمية ، وكذلك بالمشاركة في تأسيس الشركات الغير مدرجة في الأسواق المالية ، بالأضافة إلى صناديق الأستثمار في السندات والأسهم والعقارات .
---
كان الأسبوع الحالي - في معظم أسواق المنطقة والعالم - التداول ( الأسواق العربية ) من يوم الأحد ليوم الخميس ، ومن يوم الأثنين ليوم الجمعة ( الأسواق العالمية ) - قد شهد تراجعات دامية وسط حالة من الخوف والهلع مع انعدام الثقة في صفوف المستثمرين سببها قلقهم ازاء الأزمة المالية العالمية وانحدار اسعار البترول ( رغم ضعف الدولار فإن سعر البترول سجل تراجعا دون 50 دولار ، بينما سجل قبل أربعة أشهر - في يوليو - مرتفعا لمستوى قياسي أعلى من 147 دولار للبرميل ) ، الأمر الذي يدفع بالحكومات للحد من الانفاق العام .
قمة مجموعة العشرين الاقتصادية غدا في واشنطن .. علها تكون طوق نجاة !
-------
الساعة الواحدة ظهرا
اتصلت بي قرينتي فريال ، هنئتني بعيد ميلادي .
اتفقت معي أن نخرج مساءا لمشاهدة فيلم في سينما "جراند" ( في سيتي مول ) تدور أحداثه عن قصص الجاسوسية !
عندها أبديت سخريتي : " جاسوسية يوم ميلادي ، بدلا من فيلم غرامي " !
السينما بالنسبة لفريال أكثر من ملهى فراغ وموعد للقاء !
-------
الساعة الخامسة والنصف مساءا
عشاء في مطعم " تي جي آي فرايدز " T.G.I. Friday's - وهو واحد من المطاعم الأمريكية المنتشرة في العاصمة عمان ، وقد تأسس في مارس 1965 بمدينة نيويورك ، ويمتاز بستائره الحمراء والبيضاء المخططة وديكوراته وتحفه الانتيكية الجميلة والغريبة مثل : عصا تجديف وزوج من الأحذية وغيرها .
حضر النادل في منتصف العشرينات من عمره ، مفعم بالشباب والحيوية وينتمي للجنسية المصرية .. طلبت فريال عدة أطباق منها : بي بي كيو تشيكين فلات بيريد ، وسلطة تشيكين سيزر ( مقبلات ) ، طبق : دارغون فاير سلامون ( هي تعرف نهمي للمأكوت البحرية ) ، وطبق لها : شرائح لحم الانجوس الأسود مع الروبيان .
تم توزيع الابتسامات الحلوة مع الأطباق والأكواب ، على هدهدة صوت إلفيس بريسلي Elvis Presley وأغنيته It's Now or Never انها الآن أو أبدا .
توجهنا بعدها لكافيه سكند كب Second Cup - مقهى كندي ، وقد تأسس سنة 1975 بمدينة تورينتو وهو أيضا ضمن مجموعة عالمية من المقاهي المتواجدة في عمان - طلبت فنجان من القهوة اسبرسو ، وفريال تناولت كوب من مشروب الموكا .
هذه إحدى مزايا المولات الحديثة ، المطعم والمقهى والسينما ، وأيضا المحلات التجارية وأفرع البنوك ومواقف السيارات تحت سقف واحد ، وسيتي مول الذي تم أفتتاحه سنة 2006 في عمان - من وجهة نظري - هو الأجمل . 
-------
الساعة السابعة مساءا
هذا هو الفيلم الثالث الذي نحضره في السينما للمخرج الإنجليزي ريدلي سكوت Ridley Scott ( الفليم الأول : " المصارع  Gladiator " بطولة : راسل كرو Russell Crowe ، انتاج سنة 2000  بكلفة 103 ملايين دولار . والفيلم الثاني : " مملكة السماء Kingdom of Heaven " بطولة : أورلاندو بلوم Orlando Bloom ، انتاج سنة 2005 ، بكلفة 130 مليون دولار ) .. وها نحن أمام الفيلم الثالث واسمه " كتلة من الأكاذيب  Body of Lies " ويشارك ليوناردو دي كابريو Leonardo Dicaprio البطولة راسل كرو ، وبكلفة 70 مليون دولار .
كنت قد حضرت لريدلي سكوت فيلما عبر شاشة " أم بي سي MBC " بعنوان : سقوط الصقر الأسود Black Hawk Down ، بطولة : جوش هارتنت Josh Hartnett ، انتاج سنة 2002 بكلفة 92 مليون دولار .
فيلم " كتلة من الأكاذيب " ممتع ، والحكاية مثيرة ، والمشاهد فذة .. هكذا أجبت فريال عند الانتهاء من مشاهدة الفيلم .
ريدلي سكوت هو المخرج المفضل لي من الناحية العالمية ، ويوسف شاهين المخرج المفضل لي من الناحية العربية - كنت قد قابلت يوسف شاهين أثناء زيارتي للقاهرة في سبتمبر 2003 بشقته في الزمالك ، ودام اللقاء أكثر من ثلاث ساعات وقد حضره كاملا المخرج الفذ خالد يوسف - لكن تلك حكاية أخرى .
هناك رابط بين الأفلام الأربعة : المصارع - سقوط الصقر الأسود - مملكة السماء وكتلة من الأكاذيب !
---
عملاق يتهاوى !
الفيلم الأول المصارع : رغم الموارد والإمكانات والقدرات التي تملكها الإمبراطورية الرومانية ( الجانب المضئ من القمر ) ، إلا أن علامات التفكك بدأت في الظهور ، أشبه ما تكون بعملاق فقد توازنه وأصابه الدوار ( الجانب المظلم من القمر ) !
فبعد الانتصارات التي حققها جيشها على القبائل الجرمانية ، كانت الصورة مأساة رومانية !
ضياع سياسي ، وهوان إنساني : وريث شرعي متعجل ومتلهف للسلطة ( يقتل أباه الإمبراطور في النهاية ) .. ومسلكه الشخصي مشوه ومصاب بالعقد النفسية الغائرة ( كان يريد من شقيقته أن تقاسمه الفراش ويرتكب الخطئية معها ) .. ولم يصبح إمبراطورا جديدا فقط ... وإنما اصبح إلها يملك مقادير الحياة والموت !
ومجلس شيوخ ممسك بمفاتيح الحياة ، وقد تحول إلى نقابة منتفعين !
وحكومة محتكرة للسلطة فسكتت عن تجاوزات الإمبراطور الجديد ، وأرسال معارضيه إلى السجون المظلمة والمنافي الموحشة بل والقضاء على البعض الآخر !
---
عصافير وبنادق !
الفيلم الثاني سقوط الصقر الأسود : مجاعة في الصومال .. وإحسان أمريكي ( إمبراطورية تحولت لجمعية خيرية ) .. والإحسان يستخدم القوة العسكرية .. والقوة العسكرية ترفع علمها ( لا علم الأمم المتحدة ) وتحت قيادتها ( لا قيادة الأمم المتحدة ) .. ويأتي التدخل من الرئيس جورج بوش ( الأب ) بعد خسارته أمام المرشح الديمقراطي بيل كلينتون .. والمرشح كلينتون أعطى موافقته للعملية .. والجنرال كولن باول يضع توقيعه على أمر النزول على الشاطئ الإفريقي !
وسيلة جديدة لتقديم رغيف خبز للجائعين من فوهة مدفع دبابة .. !
---
أوهام القوة .. والنصر !
الفيلم الثالث مملكة السماءالقرن الثاني عشر الميلادي .. الحروب الصليبية .. القدس : ملتقى كل الرسالات ، ومطلب كل الإمبراطوريات ، وزينة كل العصور .. نداء القدس غلاب ، نافذا من الآذان إلى أعماق أعماق الوجدان مختلطا بأصداء الأناشيد والترانيم والصلوات والدعوات .. صلاح الدين .. حطين .. الجو المشحون بعطر الأديان .. عبق التاريخ .. روائح الدم : دم القديسين والشهداء والمغامرين ..
يقظة الشعوب ، ومحاولة المحتل أن يصد تيار اليقظة الجارف .. لكن الحرية تحركت ، والمحتل يحاول أن يشل تقدمها .. لكن الحرية تنتصر والمحتل ينهزم ..
---
العالم العربي مسرح استعراض !
الفيلم الرابع كتلة من الأكاذيب :  العالم العربي .. المخابرات الأمريكية .. المخابرات الأردنية .. عناصر جهادية إرهابية .. ملاحقات ومطاردات .. فخاخ ومصايد .. اخلاص وتعاون .. مخاطر وأحاسيس .. تقاليد وتعايش وعواطف .. تضحيات ووسائل كارثية .. مركبات النقص والزيادة ..
يبقى القول المنسوب للسياسي الهندي جواهر لال نهرو صادقا : " إن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية هي القوة الشريرة الملعونة في زماننا المعاصر " .
لكن الأهم إن العالم العربي تحول إلى مسرح استعراض لكل رئيس أمريكي ولكل إدارة أمريكية ولكل جهاز أمني أمريكي .. وكلها لمطالب ذاتية سهلة ولدواعي انتخابية ! 
الجريمة أصبحت مرادفة للعمل السياسي .. والمؤامرة مرادفة للعمل الدولي !
---
في هذا كله أين ريدلي سكوت ؟
هو يبدو لي يساري معتدل وليبرالي مستنير ، ومعارض لحماقة القوة الأمريكية !
في فيلمه الأول أرجع سبب انهيار الإمبراطوريات لأسباب في الداخل برغم الانتصار على الأعداء في الخارج !
في فيلمه الثاني إدانة للتدخل الأمريكي في شؤون الدول تحت شعارات براقة غالبا مخادعة !
في فيلمه الثالث المقاومة ضد المحتل وانتصارها حتمية تاريخية !
في فيلمه الرابع إدانه للعمل الخفي والأجهزة الأمنية الأمريكية التي تعرضت لجميع المشاكل الدولية ورسمت حلولا لها ، على الورق - وشتان بين ما يجرى على الطبيعة وما يرسم على الورق !
-------
الساعة العاشرة مساءا
كنت أطل على شاشة التليفزيون متابعا برنامج " مع هيكل : تجربة حياة " على قناة الجزيرة - كعادة كل يوم خميس منذ 8 يوليو 2004 .
الليلة سيقدم الأستاذ هيكل أول حلقة ضمن المجموعة السادسة : طلاسم 67 - وكانت بعنوان : الحقيقة لأصحابها .
كنت - ولا زلت - أستمع إليه في انبهار وشبه خشوع ..
رجلا تجاوز الخامسة والثمانون عاما من عمره المديد ، ولديه طاقة مذهلة على العمل وطاقة هائلة على التحمل !
ولقد صاحب القلم الذي عشق والورق الذي أرهق لمدة تجاوزت 66 عاما من الكتابة !
له حافظة لا تزال على سنه قوية .. وروعة التفاصيل الصغيرة والقلم الذي ينافس العدسة ويتخطاها ، لأنه مشاعر وملاحظات ، إلى جانب كونه عينا ثاقبة وحدقة واسعة .. وهو يعكس منذ أكثر من نصف قرن مرآة الفكر والعقل المصري والعربي على أقدر ما يكون ، برغم كونه معارضا أو ألمع المعارضين ..
وقد علمته السنوات الطويلة التي قضاها في العمل الصحافي ، أن لكل بناء أربع زوايا ولكل قضية عدة وجوه ، ولكل إنسان قناعته .
رجلا واسع الثقافة .. بل هو غابة بشرية !
الأستاذ هيكل يتنقل على أغصان التاريخ ولا يكف عن التغريد !
متى يكتب الأستاذ هيكل سيرته بأناقته المعروفة وحرصه المشهور ؟
-------
الساعة الحادية عشر مساءا
لا أعرف لماذا جلست خلف مكتبي مستعينا بكتاب " إيران فوق بركان " وهو أول كتاب للأستاذ هيكل ..
الكتاب صدر سنة 1951 ( الكتاب الوحيد للأستاذ هيكل الذي صدر في عهد الملك فاروق ) .. وهو يقع في 185 صفحة من القطع الصغير . والكتاب يغطي أزمة البترول الإيرانية عام 1951 . وقد قضى الأستاذ هيكل قرابة شهر في إيران ، وسافر إلى كل أنحائها ، من جولفا على الحدود الروسية إلى عبدان على الخليج الفارسي ، وقابل كل قياداتها من السياسيين أمثال " السيد ضياء الدين طباطبائي " ، و " أحمد قوام السلطنة " ، ورئيس الوزراء " الدكتور محمد مصدق " بطبيعة الحال ، وأهم رجل من رجال الدين الشيعة في ذلك الوقت ومؤيد " مصدق " المتحمس " آية الله العظمى أبو القاسم كاشاني " . وأيضا دارت أول أحاديثه مع الشاه محمد رضا بهلوي ، كما تعرف على شقيقته التؤام الأميرة " أشرف " ، التي كان زوجها - صديقا للأستاذ هيكل - أحمد شفيق - وهو ابن المؤرخ المشهور أحمد شفيق باشا ( صاحب كتاب : حوليات مصر السياسية ويقع في 9 أجزاء ) - وكان زوجها مديرا للطيران المدني في إيران .
------
منتصف الليل
فرغت من الكتاب ( طالعته ربما أكثر من سبع مرات منذ أن استقر في مكتبتي سنة 1995 ) ..
تسللت إلى مخدعي ..
جسد متعب .. وعيون شبه مفتوحة .. خيال نعسان .. تهويمات النوم .. حديث شريف للنبي الأعظم محمد " إن أبواب الجنة تحت ظلال السيوف " يعبر فيما تبقى من يقظة كالخيال الطارق ..
ونحن استبدلنا هذا الحديث ، بآخر ونسبناه للأحاديث الشريفة " الجنة تحت أقدام الأمهات " .. !
والدين جاء بثورة إعصار ضد الطغيان والاضطهاد والعبودية ، رافعا من شأن العقل والتوحيد والتحرر .. !
ولكننا آثرنا الانحناء والركوع والسجود وتقبيل اليد والقدم والأرض .. !
---
كالحجر الثقيل ألقيت في بئر النوم العميق .. وغصت فيه !


                                                                                                                       خالد عبد الهادي